الاتحادنت/ نصر باغريب
حي عقل باغريب (حافة عقل باغريب) هو أحد أشهر وأقدم أحياء مديرية الشحر التاريخية في محافظة حضرموت بالجمهورية اليمنية. يبلغ تعداد سكانه 3575 نسمة حسب التعداد السكاني في اليمن لعام 2004م، كما يشير كتاب الجهاز المركزي للاحصاء للعام 2004م، ان عدد الذكور بلغ حينذاك 1813 نسمة، والإناث 1762 نسمة، وعدد الأسر بحافة عقل باغريب بلغ 513 أسرة، وعدد المساكن 524 منزل، غير أن عدد السكان قد تضاعف كثيراً مع حلول العام 2019م، حيث يقدر عدد السكان حالياً بالحي بنحو 7 – 8 ألف نسمة أو يزيد، كما زاد عدد الأسر والمنازل..، وفي هذا الحي أسس آل باغريب مسجدهم الذي يرجع تاريخه لمئات السنين (تأسس في القرن التاسع الهجري)، كما أسسوا زاوية آل باغريب الدينية الصوفية، (يوجد حي مجاور لحافة عقل باغريب، وهو حافة عقل باعوين..، وآل باعوين قبيلة جاءت من المهرة واستقرت في الشحر)..
و"العقل" بمعنى عقل الابل (ربط وتقييد حركة الإبل)، حيث كانت المنطقة قديماً محطة للابل وتجمعها وإفراغ حمولتها أو تحميل حمولة جديدة لها ويعد المكان كذلك مبركا للابل (مكان تبرك وتجلس فيه الجمال) ومكانا لتجمع القوافل والتجار ومنهم من آل باغريب وسلعهم المختلفة، قبل أن تصبح لاحقا حيا سكنيا وتجاريا ومقصداً دينياً لمسجد باغريب بمدينة الشحر.
وقد نسب موقع هذا (العقل) إلى مؤسسيه من آل باغريب..، حيث كان هذا الموقع خاص بقوافل التجار من آل باغريب القادمين من مناطق وادي حضرموت وغيرها، يعقلون إبلهم وقوافلهم (يربطوا الأبل بالحبال لتستقر وتستريح في مكان محدد لها من مساحة الأرض بمدينة الشحر) في هذا المكان الذي سمي بأسمهم، كما كانوا كما يعتقد أول من أستقر بهذا المكان وسكن فيه..، وخاصة بعد تعثر تجارتهم وانتشار الصراعات والقتال ومخاطر الطرقات في وادي حضرموت وصحاري شمال حضرموت وغيرها، وأدى هذا المكان دورا حيويا في التبادل السلعي وتخفيف تداعيات المجاعات الكبرى بحضرموت وأشهرها المجاعات التي حدثت ابان الحربين العالميتين الأولى والثانية، إثر انقطاع الامداد الغذائي عبر السفن من البحر، إضافة لقطع الطرق البرية الواصلة بين الشحر بساحل حضرموت، مع مناطق وادي وصحراء حضرموت.
ويتداخل تاريخ حي عقل باغريب كثيراً مع تاريخ آل باغريب ومرابع سكنهم وحركة إمتدادهم بين الشحر وتريم بحضرموت، ففي إفادة للشيخ/علي سالم رزيق بن رزيق باغريب (من سكان مدينة تريم بحضرموت)، ذكر أن أسرته هاجرت من تريم حضرموت ابان المجاعة التي ضربت وادي حضرموت في اواسط الاربعينيات من القرن العشرين الى الشحر، وعقب انتهاء المجاعة وتحسن الوضع في وادي حضرموت بعد عدة سنوات عاد جزء من الأسرة إلى تريم مرة أخرى.
وثمة نماذج وشواهد كثيرة على عمق العلاقة والامتداد ل آل باغريب بين ساحل ووادي حضرموت، ومنها ان الشيخ/أحمد مبارك عبيد سعيد بن رزيق باغريب (وهو من مواليد منطقة السويري بتريم)، الذي كان تاجرا مشهورا في منطقة السويري بتريم بل يعد من كبارتجار السويري واستمر نشاطه التجاري حتى عقد الستينيات من القرن العشرين، ينتقل مع قوافله التجارية المحملة بالبضائع على ظهور الآبل من تريم إلى الشحر والعكس، في رحلات مستمرة ذهابا وأيابا يبادل البضائع والسلع بين السويري (حضرموت الداخل - الوادي) والشحر (حضرموت الساحل) ومحطات أخرى تقع بين المنطقتين، وله داراً هناك يقع بالقرب من سدة الشحر المشهورة، وكان يقطن فيه لفترات طويلة لمتابعة نشاطه بشراء البضائع من السفن الواصلة إلى ميناء الشحر ويرسلها عبر قوافله من الابل وعماله إلى السويري لتباع هناك، ومن تم يرسل القوافل وهي محملة ببضائع أخرى كالتمر والحبوب والاقمشة وغيرها إلى مدينة الشحر.
ويعد سكان حي أو حافة عقل باغريب من التجار اساسا ومنذ القدم، وحاليا يشتغل الكثير منهم في التجارة بمحلات تجارية مختلفة بالشحر ومنهم من أضحى من الموظفين الحكوميين أو من رجال الدين والمثقفين والعمال وتعود جذور الكثير سكان الحي من الوافدين من وديان حضرموت الغربية والكسر، وتؤكد العديد من المراجع ان هذا الحي نسب إلى الفقية الشيخ/سعيد بن أحمد سعيد باغريب صاحب المسجد المعروف بالشحر، وتلميذ الشيخ/عمر المحضار السقاف، ووالد الشيخ أحمد سعيد باغريب.
وتعد حافة عقل باغريب مستقراً للقادمين إلى الشحر، وخاصة من صحراء وقرى ومناطق ومدن وادي حضرموت والمهرة وعُمان وبعض مناطق شبوة والسواحل الشرقية والغربية المحاذية..، وكان الوافد إلى هذا الحي يجد ما يحتاج لشرائه من طعام، كما كان المحتاج يجد المأوى والمأكل دون عناء، حيث سميت مدينة الشحر بأم المساكين.
ويحتفظ سكان عقل باغريب حتى اليوم (2019م)، بمعظم عادات وتقاليد مناطق وادي حضرموت، فلدى سكان الحي (حافة عقل باغريب) فرقة فنية تراثية خاصة برقصة العدة (الشبواني)، التي ظل السكان يمارسونها كما كان اسلافهم في وادي حضرموت، وهي فرقة متميزة ولها مشاركات كثيرة في عدة مناطق بحضرموت، ولرقصة الشبواني موسم زمني خاص بها في حافة عقل باغريب ويسمى "مندر العدة" ويقام كل سنة بموعد ثابت بما يشبه المهرجان ويحضره جمع غفير من داخل مدينة الشحر وخارجها.
ورقصة الشبواني تعد رقصة حربية قديمة مشهورة بحضرموت وتعبر عن حركات هجومية ودفاعية مع حمل السيوف والدروع التي تحولت الى حمل العصي لاحقاً، من الرقصات الأساسية بأي مناسبات فرائحية أو فعاليات خاصة أو عامة بحضرموت.
ويتم بالمناسبة السنوية (مندر "عـقـل باغـريـب")، خروج عدة منطقة عـقـل "الشـيـخ باغـريـب" متجه الى قرية تباله، وهناك تقام العاب شعبية ومسجلات للشعر الشبواني..إلخ.
ويجري خلال فعاليات المناسبة السنوية التراثية التي يمتد تاريخها لمئات السنين، حيث تقام لعبة العدة في اجواء فرائحية، يبتهج بها أبناء الشحر والضيوف الذين يأتون من مختلف مناطق حضرموت.
ولاتزال المنافسة والمشاحنة والمنابزة التي تأخذ طابع الأخوة والفكاهة عادةً، بين حافة عقل باغريب وحافة عقل باعوين بمدينة الشحر مستمرة حتى يومنا هذا وتجد أحيانا من يغذيها بخبث من الجهلة والمستفيدين والخبثاء..، حتى صارت هذه المشاحنات التي لاتنتهي بين حافتي عقل باغريب وعقل باعوين مضرب المثل بالخصومة والتندر لدى سكان حضرموت.
وتعد الهوكة والتنصورة من عادات أهل حضرموت ويشير الباحث عبدالله صالح حداد إلى عبارة (كسرنا نابه) في كتابه (رقصة العدة من العابنا الشعبية)، والذي أصدره فرع المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف م/المكلا (من منشوراته بتاريخ سبتمبر1980م، فقد قال الأستاذ عبدالله حداد:ــ
ولكل حي (في مدينة الشحر) تنصورة خاصة به، فعقل باعوين يقولون: (عويني غلابه، كم من قبيلي كسرنا نابه والله كم وي، والله كم وي) وحي عقل باغريب يقولون: (غريبي غلابه كم من قبيلي كسرنا نابه والله كم وي، والله كم وي) وحافة الحوطه يقولون في تنصيرهم (بنقله غلابه..) وحافة القرية يقولون (كبس غلابه..) أما راقصي عدة حافة المجرف فيقولون: (كور سيبان غلابه..).
وكما يظهر فالمقصود تخويف الآخرين بأنهم على أتم استعداد لفعل كل شيء إذا هوجموا، والدليل كم من قبيلي أنهوا قبولته وأبطلوا مفعولها يكسر نابه وتزكية ذلك باليمين لصدقه)، وتسمع هذه العبارة (كم من قبيلي كسرنا به..) أكثر ما تسمع في المناسبات.
وتعني العبارة (كم من قبيلي كسرنا نابه..) أي هزمناه من كسر الجيوش إذا هزمت وليس كسرنا نابه، أي نابهم، وهذه العبارة المشتهرة لدى جميع القبائل فيما يعرف بالهوكة تنطق بالناب، فكسر الناب باللغة العربية كناية عن الهزيمة سواء لفرد أو مجموعة، كما يقال في المثل العامي (كسرنا خشمك) كناية عن الاذلال.
والهوكه: جمعها الهوك (يهوك فلان) يصرخ بالنداء فرحا على راس العريس ايذانا بالزواج وهي صرخات فيها تفاخر تبعا لكل قبيلة أو طبقة في حضرموت مع ملاحظة أن الكلمات تعرضت بعوامل الزمن إلى التحريف الواضح حتى فقدت معناها الصحيح وأصبحت عند البعض صراخ مبهم لايحمل أي معنى وخاصة كلمة (واللوم بهم)، والبعض يعتقد ان أصلها (الويل لكم)، حيث حرفت الى (واللوكهم) واساس الهوك ان يردد في الزامل والرقصات والفراح الجملة الآتية:ــ
يابه كمّن قبيلي كسرنا نابه
واللّوم بهم** واللّوم بهم ** واللّوم بهم
أي كسرنا نابهم والحقنا بهم اللوم
التنصوره: بمعنى الهوكه وان كانت تردد عند القبائل بالتفاخر بنصر القبيلة كأن مثلا تقول قبيلة الصيعر (كنده الغلابه...كمن قبيلي كسرنا نابه...ألخ) أو تقول آل قبيلة آل كثير (همدان الغلابه...كمن قبيلي كسرنا نابه...إلخ) وهكذا لكل قبيلة عزوة
وجاء في قول الشاعر سلامة بن عوض الكثيري رداً على الشاعر القاضي أحمد عبيد البكري بعد أحداث شبام:
(كم قوم ذي جاته ونا عامد به *** كم من قـبيلي قـد كسرنا نابه)
وتعزز هذه العبارات والمفاخرة بين القبائل والتي عرضنا نموذجا لها في حافة عقل باغريب وحافة عقل باعوين بمدينة الشحر بحضرموت، ببث وزرع البغضاء والشحناء والتباهي بكسر الآخرين من العرب المسلمين وهذا لا يصح بين قبائل البلد والجذر الواحد، غير ان السلطات المختلفة عملت على استمرار مثل هذه الفعاليات وتشجيعها كي لاتجمع كلمة القبائل والسكان، وتبقيهم مشتتين متباغضين ضعفاء ليسهل حكمهم.
كما أورد الأستاذ الباحث/محمد سقاف الهدار في صحيفة (المسيلة) العدد “347” الصادر في 21/2/ 2002م، عن المساجلة ومهد لها بالقول (مساجلة كان محورها عراك بين حي أو حافة “عقل باعوين” ــ أو حارة ــ وبين حافة «عقل باغريب» في مدينة «الشحر» قبل أربعة عقود ونيف وكيف إن السلطة وقفت موقف المراوغ أو كمن يمسك العصا من الوسط.
استهل المساجلة الشاعر المحضار بالقول مخاطباً زميله / عمر “بو مسلم” قائلاً:ــ
ذا خرج فصل والثاني خبار الجماعة
أيش عاده وقع
عادهم يا عمر جابوا من البير قاعه
من نزل ما طلع
أنته ما انته صقع أنت تعقل وتسمع
يا عمر ما يقولون
*ردَّ عليه عمر «بو مسلم» قائلاً:ــ
عادهم في غثاهم عاد ما شيء فراعه
والمغني طمــع
عاد ما حد سمعهم لي على البير راعه
وأنت اشتر وبع
بعضها ما تقع قد لهم خمس وأربع
عندهم با يحلون
دخل / صالح جمعان بامعرفة ليقول لهم:
ليلة النور ما الليلة ويا خير ساعة
وسط قلبي وسع
من تقدم بدعوى با يحصل دفاعه
أو بنقدي دفع
لي حكم ما نفعهم شل طاسه ومرفع
يا قمر لي وقع نون
*بعدها غير المحضار الصوت إلى صوت آخر في نفس الموضوع فقال:ــ
خرج ذا فصل والثاني مكان السحابة
فوقنا ما انجلت
والعلاوي انقلب والجوف فيه القلابة
والسماء ما اصطفت
رعد ملقي البهت إن كان صدقت وسالت
با تزيين المعايين
*فرد عليه الشاعر / سعيد زحفان فور دخوله عليهم قائلاً:ــ
غلَّق العرف كله والبصر واللبابه
هت من الزين هت
والقلم جف والكتَّاب خلو الكتابة
كل ما بت بت
وينها وكلت البنيه جت وقالت
طرحوا العيش في الصين
• وعند الكتابة عن حافة عقل باغريب لابد لنا ان نذكر أهم وأبرز معلم فيها وهو مسجد الشيخ/سعيد بن أحمد بن سعيد باغريب:ــ
ويعد مسجد الشيخ/سعيد بن أحمد بن سعيد باغريب بحافة عقل باغريب، في مدينة الشحر من المساجد المعمورة والعامرة بالمصلين حتى الآن، وهو مسجد أثري ضاربا جذوره عميقا في التاريخ القديم وأدى أدواراً مهمة في حمل رسالة الدين الإسلامي والحفاظ عليه وفي تخريج الآلاف من حفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية والدعاة منذ أكثر خمسمائة عام مضت.
وتؤكد كثير من المصادر أن مسجد الشيخ/سعيد بن أحمد باغريب الذي يقع بمنطقة عقل باغريب بمديرية الشحر بمحافظة حضرموت يعد من المساجد التاريخية والعامرة حتى الآن في مدينة الشحر بحضرموت، وأنشئ قبل عام 1523م، وقد كتب على بوابة ومدخل المسجد انه تأسس في القرن التاسع الهجري.
ويعتقد ان موقع حي عقل باغريب، كان يقع قديماً بطرف مدينة الشحر القديمة، وفيه تتجمع القوافل وتنصب الأسواق فيه، وقد بنى الشيخ/سعيد باغريب مسجداً فيه تم بنيت المنازل حول المسجد وتوسع الحي ليصبح مكتظا بالسكان وأضحى موقعه يتوسط مدينة الشحر إثر تسعها بمراحل تاريخية متتابعة.
ويشمل مسجد الشيخ/سعيد بن أحمد باغريب حاليا مدرسة تضم حلقات العلم وتحفيظ القرآن بالتنسيق مع رباط دار المصطفى بالشحر للدراسات الإسلامية، كما أسس انطلاقاً من المسجد خلال العقد الأخير "مركز عقل باغريب التوعوي" لتحفيظ القرآن وتنظيم المحاضرات والدورات التعليمية وإحياء المناسبات الدينية.
وقد جرت قبل عدة سنوات بمسجد الشيخ/سعيد بن أحمد باغريب الذي يقع بحافة عقل باغريب، بمدينة الشحر بحضرموت، عملية صيانة وترميم شبه كامل حافظت على طابعة الأثري دون تغيير، بعد أن ظهرت التشققات في جدرانه وبعض أعمدته وسقفه، كما تم ترميم منارة المسجد، خاصة وإن منارة المسجد تعد من المنارات القديمة على مستوى مدينة الشحر وحضرموت عامة، وهي تحفة معمارية هندسية تراثية متميزة، خاصة وأن تعمير المساجد واجب ديني واستجابة لقوله تعالى (انما يعمر مساجد الله من امن بالله واليوم الاخر)، وقد عرف الورع الديني عن آل باغريب والتمسك بقيم الاسلام، حيث يعد بناء المسجد قديماً دليلا حيا على التحلي بهذه القيم الدينية والحفاظ عليها ونشرها.
كما تحتضن حافة عقل باغريب العديد من المساجد إضافة لمسجدها التاريخي "مسجد باغريب" منها، مسجد الشيخ/أحمد باحجر، ومسجد الشيخ/أحمد قضيمتي، ومسجد الشيخ/عبدالله العيدروس.
وقد أتصف آل باغريب بحي عقل باغريب، باحترام ومكانة وسمعة طيبة منذ القدم وحتى يومنا هذا، ويشتغل معظم آل باغريب بحي عقل باغريب وبمدينة الشحر حاليا بسلك التعليم والتدريس بالمدارس وبالوظائف الحكومية وبالتجارة الصغيرة والمتوسطة وبالدعوة الدينية وغير ذلك من الأعمال المعاصرة، ولاتوجد إحصائية دقيقة عن عدد آل باغريب بحي عقل باغريب وبمدينة الشحر، ولكن ثمة تقديرات تقدرهم بمايزيد عن ألفين نسمة، ويمكن لهذا العدد ان يزيد كثيراً إذا أخذنا بعين الإعتبار عدد الذين هاجروا إلى دول الخليج وغيرها، أو ممن أنتقلوا للإقامة والاستقرار بمدينة المكلا وغيرها من مدن حضرموت أو إلى مدينة عدن وغيرها من المدن داخل البلاد.
ولـ آل باغريب مشاركات وأدوار فاعلة بتاريخ مدينة الشحر منذ القدم، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى دورهم بالتصدي للغزو البرتغالي الذي حاول اجتياح المدينة وغزوها، ولعل قبر الشهيد/عمر علي باغريب بمقبرة الشهداء السبعة بالشحر شاهداً مؤكداً على ذلك.
ويعد المقدم/عمر باغريب أحد ابطال معركة المقاومة ضد الغزو البرتغالي للشحر، الذي بدأ صباح يوم الخميس التاسع من ربيع الأول 929 هجرية، الموافق 1523م، حيث وصل الأسطول البرتغالي ويتكون من ثماني سفن حربية إلى سواحل الشحر، وقد جمع الأمير مطران أعيان الشحر وقرروا منازلة الغزات البرتغاليين، وفي صباح الجمعة العاشر من ربيع الأول من نفس السنة، نزل للشحر 700 من البرتغاليين، وأخذوا يطلقون النار على كل من يصادفهم ويحرقون المنازل والمستودعات والأكواخ ونهبوا المحلات، واستمرت المعركة ثلاثة أيام متوالية، استشهد فيها المئات من أبناء الشحر وأحرقت مئات المنازل والمنشآت.
وكان المقدم/عمر باغريب، احد الأبطال الذين تصدوا للبرتغاليين واستشهد في خضم المعركة دفاعا عن مدينته الشحر، وأهمل المؤرخين والعديد من كتب التاريخ ذكر أسماء كثيرة من الابطال المقاومين ومنها دور البطل/عمر باغريب، وعدد اخر من ال باغريب في الشحر الذين استشهدوا أو اشتركوا بالقتال ضد الغزو البرتغالي ومواجهته ببطوله وإباء.
وشكلت معركة البطولة والشرف في الشحر كأول مقاومة تهب في وجه الأطماع الاستعمارية الأوروبية في حضرموت، وربما في العالم العربي بأسره عام 1523م
والشهيد المقدم/عمر باغريب هو مقدم ال باغريب في حينه (يطلق صفة المقدم بحضرموت على كبير القبيلة أو العشيرة ويطلق عليه بمناطق اخرى صفة شيخ القبيلة أو العشيرة)، وقد لقُب الشهيد المقدم/عمر باغريب ب "الغرب"، ولازال قبر الشهيد المقدم/عمر باغريب (وهو جد الاخ المقدم/صالح مبارك ضيف احمد عمر باغريب))، ماثلا حتى الان في مقبرة الشهداء السبعة في مدينة الشحر بحضرموت،
ان الامل يحذونا ان يقوم الباحثين من ابناء الشحر وحضرموت والمهتمين باستكمال جمع المعلومات عنه لتوثيقها ونشرها كدراسة بحثية علمية.
ومن أبرز الشخصيات التي تنسب لحي عقل باغريب والشحر، وله مكانة علمية كبيرة على مستوى العالم الاسلامي، هو الشيخ/إبراهيم بن محمد إبراهيم باغريب، الذي ولد أبوه بالشحر تم هاجر إلى مدينة جدة وأنجب أبنه الشيخ/ابراهيم باغريب، الذي زار الشحر تم استقر بمكة المكرمة وتولى الافتاء بالحرم المكي الشريف وداع صيته وعظم شأنه وعلمه الديني وتوفى بمكة المكرمة ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة في (1080هـ، 1669م).
وولد الشيخ/إبراهيم بن محمد إبراهيم باغريب الحميري الحضرمي الشافعي العالم العامل: بمدينة جُدَّة بالحجاز، مات أبوه وهو صغير، ثم رحل إلى مدينة الشِّحْر بحضرموت لزيارة أقاربه واهله ومسقط رأس والده وليتشبع بثقافة وعادات وتاريخ حضرموت.
وبعد نحو سنتين من زيارته ومكوثه في مدينة الشحر، قصد مدينة مكة المكرمة وتوطنها لطلب العلم في الدين الاسلامي وتجرد له، ولزم الشيخ عبدالله بن سعيد باقشير، وتفقّه على يديه، وخلفه في دروسه بعد موته، واستفاد منه الطلاب، وكان ذا فهم حسن، له عناية بالفقه، بالإضافة إلى الزهد والورع.
كما حضر دروس الشيخ/محمد البابلي والشيخ/عيسى بن محمد المغربي، في الحديث والعربية وأجازه جل شيوخه وتصدر إلى التدريس في المسجد الحرام في محل شيخه عبدالله بن سعيد باقشير وكان اعتناءه بالفقه أشد من غيره.
تولى الإفتاء والتدريس بالحرم المكي الشريف واضحى قطبا دينيا كبيرا يفد إليه طلاب العلم والفقه ومريديه من المستمعين والسائلين له بأمور الدين أو من الحجاج للكعبة الشريفة للافتاء من أصقاع العالم الاسلامي.
وتميز الشيخ ابراهيم باغريب بحسن الخلق وبسمعة طيبة، وبسعة العلم والمعرفة وسرعة البديهة، وصدق الكلمة وأمانة القول والعمل والفعل، وحب تلاميذه ومريديه له، وكان رجلا ربانيا عالما مسلما تقيا ملتزم بدينه وبصلواته وفروضه الدينية وبسنن النبي محمد صلَ الله عليه وسلم، أدى فريضة الحج والعمر مرات كثيرة، وكان متعلقا بالحرم المكي والصلاة فيه، وأفاد الكثيرين بعلمه وفتاويه الدينية، وخاصة من الحجاج والمعتمرين القادمين إلى الحرم المكي، بمكة المكرمة.
تصدر كرسي الشافعية الحضارم للأفتاء بالحرم المكي الشريف، وكان مقصد الحجاج الحضارم وغيرهم من حجاج سلطنات ومشيخات وامارات ومناطق الجنوب العربي وغيرهم، للاستفسار والافتاء بأمور الدين والحج.
اضطلع بالتدريس والشرح والقاء المحاضرات في باحات الكعبة المشرفة والحرم المكي لكتاب صحيح البخاري وبرع في شرحه وتفوق باسلوب الشرح السلسل والواضح حتى داع صيته عند عموم المسلمين ممن حضر واستمع لمحاضراته او نقلها عنه.
توفي بمكة المكرمة في الثامن عشر ذو القعدة سنة 1080هـ، الموافق 1669م، وعاصر بذلك إمارة الشريف/ زيد بن محسن وبداية عهد الشريف/ سعد بن زيد.
ودفن بمقبرة المعلاة بمكة المكرمة في الثامن عشر ذو القعدة 1080هـ، 1669م.
اطلق اسمه على احد شوارع مدينة جدة بالسعودية، ولازال اسم الشارع معروفا ومتداولا الى الان..، رحمة الله عليه، واسكنه فسيح جناته.
ومن الصفات التي تميز بها آل باغريب في حي عقل باغريب باشحر، هو الكرم والترحاب بالضيف وإكرامه، فقد اخبرتنا إحدى الشخصيات المهمة من ال حامد بمدينة الشحر عن جانب مهم من صفات آل باغريب بمدينة الشحر بحضرموت، وقال ان ثمة مثل مشهور ومعروف يتداوله أهل الشحر عن كرم وسخاء آل باغريب وحبهم للخير والبذل والعطاء بالمال ومساعدة الفقراء.
وقال ان المثل المتداول عن (صحن باغريب ...؛ لا اتذكر بقية المثل)، ولكنه يشير الى ان ثمة صحن ل آل باغريب دلالة على مائدة الطعام، وهذا الصحن (المائدة) يقدم مجانا على حساب آل باغريب ولوجه الله لجميع الناس أكانوا من أهل الشحر أو من المسافرين أو المحتاجين والفقراء من داخل أو خارج الشحر.
وأشتهر آل باغريب بالشحر بان موائدهم مشرعة لكل جائع ومحتاج وفقير ومسافر..الخ، دون استثناء وسميت مائدتهم بـ((صحن باغريب))، ولم يكن صحن باغريب (المائدة) مقتصرة على المحتاجين من الناس؛ بل ان الكثير من الميسورين والوجهاء يحضرون لتناول الطعام بصحن باغريب في المناسبات الدينية والاجتماعية كعادة اجتناعية درجوا عليها وتعبر عن التواصل والتداخل الاجتماعي الحضرمي.
وعرف عند عامة وكذا خاصة المجتمع الحضرمي عن آل باغريب بصفات الكرم الحاتمي ومد يد العون والمساعدة وتقديم الطعام لمن يحتاجه، وكانت أموالهم من التجارة الواسعة لهم مابين مناطق ساحل ووادي حضرموت تعينهم على ان يولموا الولائم لكل المحتاجين والعابرين.
ولازالت هذه الصفة مستمرة الى الان ولو بشكل محدود نتيجة تدهور الوضع المعيشي في البلاد وانقراض تجارة ال باغريب وتراجع وضعهم المادي، وأضحى الكثير من ال باغريب بالشحر حاليا يشتغلون بالتدريس والتعليم بالمدارس الحكومية، في حين تراجع اشتغالهم بالتجارة إلا اللمم.
ولم تقتصر عادة تقديم الطعام واقامة الوليمة الدائمة واليومية على ال باغريب بالشحر، بل امتدت هذه العادة والصفة لكل ال باغريب بمختلف مناطق حضرموت..، فالكثير لازال يتذكر تلك العادة ل ال باغريب بمناطق عدة بساحل ووادي حضرموت بتقديم الطعام للضيوف والمحتاجين وكل من يطلبه ممن يدقون ابواب ديار ال باغريب..، وهذه صفة متجذرة عندهم، لولا الظروف المادية القاسية التي عصفت بالبلاد لشاهدنا هذه الولائم تقام وتنتشر على نطاق واسع كما هي عادة وصفة آل باغريب..، ولم تتقلص أو تنحصر كما هو الحال حاليا.
ان قصة حي عقل باغريب، لم يكتمل سردها لما مر بها من أحداث وشخوص لأهلها من آ ل باغريب ولازالت الكثير من الأحداث والروايات والحقائق ومرويات أعلامها ومأثرهم طي التجاهل والإهمال أو المجهول في بطون الكتب وأرشيف الوثائق والأثار المخفية..، وبكل تأكيد لم تستكمل فصولها بعد..، انها قصة اعتزاز وفخر وصناع تاريخ لهذا الحي ومدينة الشحر وحضرموت.