استطلاع/ عبدالله باصواب
في احدى صباحات مدينتنا الجميلة المكلا رن منبه جوالي في السابعة صباحاً كل العادة ليعلن عن بداية يوم جديد بدايته كانت في الخامسة مع صلاة الفجر وتلاوة وردي المخصص من القرآن ليرضى الله عني ويكون بداية يومي بداية خير , استيقظت على صوت رنات جوالي التي كأنها تقول لي أسيقض لديك يوم ملي بالعلم والفائدة , استيقظت وتذكر انه لدي رحلة استطلاعية وعلمية ، استيقظت ونفسي تقول لا تذهب في هذه الرحلة .لكي تتابع فريق المفضل الهلال يتويج بلقب أسيا في الواحدة ظهراً ذلك اللقب الذي لطالما تمنيت أن يحققه الهلال , لكني أستيقظ وكسر وسواس نفسي وتجهز ورتبت أغراضي لخوض تلك الرحلة مع زملائي طلاب الصحافة . واثنا رحلتنا العلمية والاستطلاعية كان لابد من زيارة مدينة غيل باوزير تلك المدينة ارض العلم والثقافة تلك المدينة ذات الأهل الطيبين والتي سبق لي وان قد زرتها لكن لم ازر هذا الصرح العلمي العظيم الذي تشتهر به المدينة وهي المدرسة الوسطى ,وجاءت زيارتنا له لكي نطلع على ادواره البارزة في تخريج قوافل من الأسماء اللامعة التي خدمت مسيرة التنمية في الوطن وتقلدت مراكز عليا في الدوله.
بعد وصولنا مدينة الغيل لزيارة المبنى الشامخ (المدرسة الوسطى)سابقا والمركز الثقافي حاليا الذي كان يسمى حصن الازهر الذي بناه الامير منصر عام 1884م ، دخلنا بشوق ولهف إلى هذا المبنى الذي عندما تنظر الى سقف الغرف لهذا المبنى ترى هذا التاريخ الناصع امامك جليا واذا نظرت الى جدرانه الواسعة العريضة وتقدر بواحد متر لعرفت قيمة هذا القصر الذي تم بنائه على الطريقة الهندية والتركية ليكون قلعه تحمي الامير منصر من هجمات الباديه وهو تاريخ طويل ملئ بالأحداث في تاريخ حضرموت .
المدرسة الوسطى التي سميت بهذا الاسم عام 1944 كانوا طلابها يأتون من كل حد وصوب من جميع مناطق حضرموت وبعض الدول العربية والإسلامية بحثاً عن العلم والمعرفة وهذا دليل على أن أهل حضرموت اهتموا بالعلم ،وكان الطلاب يتلقون العلم على يد مدرسون سودانيون ويمنيون وكانت المدرسة الوسطى هي الكلية والجامعة، وهي بالفعل مصنع الرجال وكان طلابها من النخبة الممتازة من المدارس اي الاوائل الذي يلتحقون بها للارتقاء بمستواهم العلمي _ وكان يوجد بها داخليه يسكن فيها الطلاب _ كل هؤلاء الطلاب يريدو ان يكون الاول في دراسته.
كثير من طلاب هذه المدرسة من الرعيل الاول بعد تخرجهم منها تقلدوا مناصب قيادية في الدولة وسجلوا بطولات نضاليه وخدموا الوطن منهم على سبيل الذكر : علي سالم البيض نائب رئيس الجمهورية اليمنية سابقاً ورئيس الشطر الجنوبي السابق، حيدر ابوبكر العطاس رئيس الوزراء سابقا فرج سعيد بن غانم رئيس الوزار السابق والفقيد عبدالرحمن عبدالقادر بافضل وزير التجارة سابقاً وعضو مجلس النواب سابقاً وفيصل بن شملان ومحمود سعيد مدحي صالح ابوبكر بن حسينون ,والعديد من الشخصيات السياسية والأدبية الذي عرفتها الساحة اليمنية انطلقوا من هذه المدرسه.
وكانت لدى المدرسة الكثير من الأنشطة الثقافية والمهنية المختلفة التي جعلت الطلاب يتنافسون ثقافيًا ورياضيًا وعلميًا وفي كل مسالك الحياه بالإضافة الى وجود نادي بالمدرسة يسمى نادي صغار المزارعين وهو عباره عن جمعية نشطة تعمل على الطريقة الديمقراطية إذ يقوم من خلالها الطلاب على تحسين بستان المدرسة ويوجد بجانيه دكان تعاوني يجلب كل المواد المختلفة بطريقه تجاريه جميله واقتصاديه وهناك بنك في المدرسة يعمل على اصول واسس بنكيه جديده للغاية وفي كل الاوقات.
لقد كانت الأنشطة في هذه المدرسة مرموقة وممتازة تدل بالفعل على ايامها الذهبية فالمدرسة الوسطى بغيل باوزير كانت مشهوره في كل بلدان العالم وهي بحق الام بكل المقاييس وكانت ايام جميله مفعمة بالعلم والأنشطة المختلفة اخبرني عنها الطلاب الذين عاشوها, وبعد الاستقلال عام 67 مباشره صارت المدرسة الوسطى مقتصره على ابناء مدينة الغيل وتسمى الإعدادية.
للأسف الشديد ان الشطحات التى فعلتها قيادة ما يسمى الجبهة القومية آنذاك كانت في مجملها فادحه على مختلف المستويات بما فيها صروح العلم والادب والثقافة اصابها الكثير من التدمير والتخريب لقد الغيت ادوار هذه المدرسة كما الغيت الأربطة الإسلامية المعروفة وهي كثيره وكذلك المعاهد العلمية ليس في حضرموت بحسب ولكن في كل المحافظات الست التي تتكون منها اليمن الديمقراطية سواء في عدن مثل معهد الشيخ البيحاني رحمه الله او في لحج او ابين او شبوه فهذه تعد من الأخطاء الفادحة في حق التعليم وبخاصه الاسلامي الذي كان اساس التعليم واساس العلم واساس الثقافة في تلك الفترة وكان منهاج نقي وطاهر يربي الاجيال على الخلق القويم والطهارة والنقاء وهكذا الغي صرحنا العلمي المسمى بالمدرسة الوسطى وتم تحويل بعض الدوائر في المبنى واهمل المبنى رويدا رويدا حتى انهارت عدت جدرانه وخاصه في الجهة الغربية والشرقية والنجدي وطمس البستان الجميل نهائيا.
وفي صيف 94 اثنا حرب الانفصال احرق المبنى فصار خرابا تنعق فيه الغربان والناس يهربون من هذا المبنى التاريخي الذي اصبح مأوى للثعالب والقطط والكلاب وغيرها من الحيوانات التي تُعد مصدر ازعاج للإنسان..وفي هذه الوضعية الصعبة وجد القائمون على المبنى الشامخ انه لابد من اعادة الاعتبار له وان يفعلوا ما بوسعهم لإعادة الروح إليه لينبض بالعطاء السابق و عزموا من خلال الخيرين من ابنا الغيل الذين ادركوا حجم المسؤولية وضرورة اعادة ترميم هذا المبنى المتهالك وانه يمكن ان يضل بالوضعية السيئة وبالفعل كانت الاستجابة ان يعود هذا المبنى الى سابق عهده ويكون مركزا ثقافيا تأتي اليه جميع الشرائح المثقفة بعد إعادة ترميمه.
وصار مركزًا ثقافيًا للأنشطة التنموية والتربوي، وأسست فيه فرقة للتراث والكشافة والفنون الشعبية، التي شارك المركز بها في من مهرجان إكسبو 2000م بهانوفر ألمانيا، وحققت المركز الأول، كما شاركت في مهرجان صلالة بعمان 2001م وحققت جائزة المركز الأول، وفرقة المركز للألعاب الشعبية على مستوى عال من التدريب ومتميزة في الناحية الفنية، وهناك فرقة إنشاد ومسرح تقوم من وقت إلى آخر بنشاطات مختلفة، والمركز له إنجازات وخرج بانطباعات متميزة في مشاركاته الخارجية.
وعندما رأينا في رحلتنا ما بداخل المدرسة من أدوات وأشياء تراثية معرضة للإهمال وعدم الاهتمام، جعلنا نوجه نداءنا للجهات المعنية ونقول لهم أملنا فيكم كبير في كل ما يتصل بالآثار والتراث على اختلاف أنواعه، ولنا أمل بأن تعملوا ما يمكن عمله للمحافظة لكي نحافظ على تراث أجدادنا، وأملنا ايضا كبير في الجهات البحثية في الجامعات ومراكز ومكتبات ومعاهد بأن تعمل لتحافظ على تراث الأجداد فهو نتاج لفكر تبلور بعد معاناة وحاجة ويشهد على تطور تقنية لن نعرفها إلا بمعرفة ذلك التراث، وربما يصح القول إننا لن نعرف أنفسنا إلا أن عرفنا ما كان عليه أجدادنا.
ودعنا المركز الثقافي في غيل باوزير (المدرسة الوسطى) الغيل الغنيه بالثقافه والادب والعلم وبالثروات الزراعية ايضا حيث تشتهر الغيل بأجود المنتوجات الزراعية على مستوى العالم وبالأخص التبغ (التنمباك) والحنــا وكذلك وفرة مياها وغيولها وينابيعها وارضها الخصبه.