قائمة التافهين… للتذكير لا للنسيان

في كل مجتمع، هناك وجوه تعودنا على حضورها الطارئ، تطفو مع الموجة ثم تغرق حين ينحسر عنها الضوء. وجوه عاشت على الهامش، لكنها أوهمت نفسها أنها في صلب المشهد. وحين استُخدمت لحاجة أو وظيفة أو دور محدود، ظنّت أنها صارت أصحاب شأن، وحين انتهت الحاجة إليهم لفظهم المنتفعون كما تُلفظ أدوات الاستعمال الرخيص.

 

التافهون هؤلاء ليسوا مجرد أشخاص، بل ظاهرة متكررة. يتلوّنون مع المصالح كما تتلوّن الحرباء، يمدحون اليوم من يلعنون غداً، ويُكثرون من الشعارات التي سرعان ما يبيعونها عند أول صفقة. يختفون ساعة الحاجة الحقيقية، ويظهرون فقط تحت الأضواء ليقتاتوا على الفتات. وهم لا يكتفون بالخيانة، بل يضيفون عليها تشويهاً لسمعة مجتمعاتهم، وتضليلاً لأهلهم، حتى يرضى عنهم من استأجر أصواتهم وأقلامهم.

 

التافه لا يعرف الوفاء ولا يتقن سوى الجحود. ينكر من وقف معه، وينسى من احتضنه في ضعفه، ويتذكر فقط من يفتح له باب منفعة جديدة. يزعم البطولة والنضال، فيما كل أفعاله ضد مصلحة الناس الذين يدّعي تمثيلهم. وكلما تصدّع الواقع، ظهروا ليتاجروا به، فيحوّلون المأساة إلى فرصة، والجراح إلى استعراض، والحقائق إلى أكاذيب.

 

إن أخطر ما يفعله هؤلاء ليس في وجودهم المؤقت، بل في محاولاتهم المستمرة للعودة بعد أن يُكشف زيفهم. يعودون بأسماء جديدة وشعارات مختلفة، فيراهنون على ذاكرة الناس القصيرة، وعلى طيبة البسطاء الذين ينسون بسرعة. ولهذا فإن التذكير بأدوارهم المسيئة واجب، ليس من باب التشهير، بل من باب التحصين. فالمجتمع الذي ينسى خيانات التافهين يفتح لهم أبوابه مرة أخرى ليكرروا الإساءة نفسها.

 

التافهون يذهبون كما جاءوا، بلا أثر، لكن خطرهم يكمن في أن يُسمح لهم بالعودة متى ما غاب الوعي أو ضعفت الذاكرة. ولذلك لا بد من إبقاء قائمة التافهين حاضرة في الأذهان، لا بالأسماء وحدها، بل بالصفات والسلوكيات، حتى لا نمنحهم فرصة جديدة لتدنيس الوعي أو العبث بكرامة الناس.