حذرت الكاتبة إيرينا توزكرمان من أن سياسة الولايات المتحدة الانفصامية تجاه إيران ستقود إلى تقويض مكاسب تصفية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، لاسيما أن أي رفع للعقوبات المفروضة ضد طهران، سيزيد من عمليات التهريب والسلوك العدائي لنظام الملالي.
وتُشير الكاتبة، في تقرير نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست"، إلى أن الموقف القوي لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد طموحات إيران النووية وسعيها للهيمنة الإقليمية كان موضع ترحيب من العديد من الدول العربية وإسرائيل، لاسيما بعدما تركت سياسات إدارة أوباما السابقة الشرق الأوسط في حالة من الفوضى.
نقطة تحول
ويوضح التقرير أن إدارة ترامب، على مدار السنوات الثلاث الماضية، اتخذت عدداً من الخطوات المهمة أبرزها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإدراج الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وفرض عقوبات على قطاع النفط الإيراني وتكثيف العقوبات الاقتصادية الأخرى ضد نظام الملالي، فضلاً عن التعاون مع دول المنطقة لتقويض تمويل إيران غير المشروع للخطط الإجرامية والوكلاء.
وفي الوقت نفسه، نجحت إدارة ترامب في حض العديد من دول أمريكا اللاتينية على تصنيف حزب الله في لبنان كمنظمة إرهابية، وعملت بشكل فعال على منع وكلاء إيران من شن هجمات إرهابية بالقرب من الحدود الأمريكية.
وتعتبر الكاتبة أن اغتيال الولايات المتحدة للجنرال سليماني، قائد فيلق القدس والعقل المدبر، والمهندس المنفذ لمخطط إيران للهيمنة عبر الشرق الأوسط وخارجه، إلى جانب استهداف عدد من رؤساء الميليشيات العراقية، كان بمثابة ضربة قوية لنظام الملالي، حيث توقع الكثيرون أنها نقطة تحول في موقف الولايات المتحدة إزاء إيران، وبداية لمحاسبتها على الإرهاب الوحشي والاغتيالات السياسية في الخارج، ورسالة قوية بأن طهران لم تعد قادرة على مهاجمة الأهداف الأمريكية دون عقاب.
انقسام الإدارة الأمريكية
ولكن على الرغم من ذلك، ثمة شكوك في ما إذا كانت إدارة ترامب ستظل ملتزمة هذا المسار القوي، خاصة مع الانقسام الذي تشهده الإدارة بين الصقور المتشددين ضد إيران، بما في ذلك عدد من أعضاء الكونغرس البارزين ووزير الخارجية مايك بومبيو، وبين القاعدة الانعزالية التي سئمت من الحروب التي لا نهاية لها، وتعتبر أن أي رد قوي على عدوان إيران والخداع الذي تمارسه فيما يتعلق بالاتفاق النووي، ينطوي على إمكانية زيادة الفوضى في المنطقة وجر الولايات المتحدة إلى حريق آخر طويل ومكلف بعيداً عن الحاجات المحلية العاجلة.
وترى الكاتبة أن تلك المجموعة الثانية متأثرة إلى حد كبير بجماعات الضغط الإيرانية وفرق السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وتبدو السياسة الأمريكية إزاء إيران "مرتبكة"، خاصة مع سيطرة فصائل مختلفة على التصريحات الرسمية، الأمر الذي يثير القلق والارتباك بين حلفاء أمريكا.
وتشمل هذه الاستراتيجية المتضاربة الفشل في فرض العقوبات وإنفاذها ضد مختلف المسؤولين والكيانات الإيرانية رفيعة المستوى، وعدم مواجهة حزب الله بشكل فعال، إلى جانب الإخفاق في الرد على نشاط الحوثيين في اليمن واستهداف الطائرات الأمريكية بدون طيار وناقلات النفط وشركة أرامكو السعودية والمواقع المدنية، فضلاً عن عدم القدرة أو الاستعداد لمحاسبة إيران على احتجاز رهائن سياسيين من مواطني الولايات المتحدة والمقيمين الدائمين والمواطنين مزدوجي الجنسية.
الإخفاق في المساءلة
ويلفت التقرير إلى أن جهود الكونغرس وغيرها من المبادرات لإدخال تدابير عقابية لتورط مختلف عناصر نظام الملالي في عمليات الاختفاء القسري والإدانات بتهم ملفقة لم تصل بعد إلى المكتب الرئاسي. ويتعارض هذا الإخفاق في فرض بعض المساءلة على ابتزاز نظام الملالي مع التزام إدارة ترامب بالتخلي عن سياسة أوباما في استرضاء إيران والتوقف عن منح طهران مكافآت مالية وسياسة في مقابل الإفراج عن السجناء.
وتقول الكاتبة: "يبدو أن هناك استعداداً مثيراً للشكوك، للنظر في احتمال رفع العقوبات عن التجارة الإنسانية بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا في إيران، ولكن يبدو الأمر مرتبطاً بشكل أكبر على الأرجح باستعداد إيران للإفراج عن بعض الرعايا المحتجزين لديها، بما في ذلك أمريكي واحد على الأقل لاعتبارات إنسانية. وبذلك تدعي إيران مرة أخرى بانتصار العلاقات العامة من خلال إظهار حسن النوايا، وتتاح لها الفرصة لحفظ ماء وجهها على الرغم من عدم قانونية مثل هذه الاعتقالات في المقام الأول".
وتضيف الكاتبة أن الإدارة الأمريكية في الوقت نفسه أصدرت إعفاءات جديدة للدول الأوروبية وروسيا والصين التي تعمل في مجال الطاقة النووية المدنية في إيران. وعلى الرغم من مطالبات الأخيرة برفع العقوبات بسبب أزمة كورونا، إلا أن طهران ترفض عرض المساعدة الإنسانية الأمريكية المباشرة.
ويحذر التقرير من أن رفع العقوبات عن إيران، على النحو الذي تقترحه الإدارة الأمريكية، سيقود إلى التهريب وزيادة السلوك العدائي لنظام الملالي الذي اختلس، بحسب بومبيو، في الآونة الأخيرة أكثر من مليار دولار من التمويل العام المخصص لمكافحة فيروس كورونا. ويشير العديد من التقارير إلى توسيع حزب الله لشبكته في أفريقيا، إضافة إلى إعادة الميليشيات العراقية المدعومة إيرانياً رص صفوفها وشنها هجمات ضد الأهداف الأمريكية لزيادة الضغط على القوات العسكرية الأمريكية.
التحايل على العقوبات
ويورد تقرير الصحيفة الإسرائيلية أن عددا من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وألمانيا التي تدعى مشقة احتواء أزمة انتشار فيروس كورونا في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، استغلت هذا التوقيت لتنفيذ آلية تجارية جديدة للتحايل على العقوبات الأمريكية لتوفير الإمدادات الطبية لإيران، الأمر الذي يشكل تحدياً صارخاً للسياسة الأمريكية ومواقفها الحازمة مؤخراً.
وتلفت الكاتبة إلى أن استمرار سياسة عدم معاقبة إيران ووكلائها يُعد بمثابة رسالة لإيران بأن لها حرية المناورة والتلاعب بالانقسامات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة لصالحها. وعلى جانب آخر تتمتع دول وكيانات أخرى مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي بحرية اتباع سياسات الإثراء الذاتي التي تتعارض مع خطط الولايات المتحدة طويلة الأمد.
ويقول التقرير: "تعزز إيران وكلاءها حول العالم، وتستخدم الحملات الدعائية وتتحايل على القانون لإسكات معارضيها في الدول الغربية، وفي الوقت نفسه تفلت من أي مساءلة طويلة الأمد بشأن الهجمات المتكررة على أهداف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".
وتخلص الكاتبة إلى أن مكاسب القضاء على سليماني تتراجع، وقد يتم القضاء عليها بمرور الوقت، بسبب الاحجام عن اتخاذ إجراءات حاسمة في عام الانتخابات الأمريكية أثناء مكافحة انتشار فيروس كورونا، إلى جانب الفشل في تطوير سياسة متسقة لمواجهة جهود إيران لتنفيذ أجندتها للهيمنة.