في مراحل التطور الاجتماعي، لا يحدث ان قادت القبائل حركة هدا التطور، القبيلة لبنة بدائية في مجتمع ما قبل الدولة ،، وفي الجنوب بعد ٢٠١٥ أراد التحالف الخليجي ان يعيد هندسة المجتمع بعودته الى ما قبل الدولة. ربما ليكون قريبا من المجتمعات الخليجية أو تشابه البنى الاجتماعية. بحيث تم إحياء التضامن القبلي وفق ماكس فيبر او مايسميه إبن خلدون " المظاهرة " أي تحالف قبلي من قبيلتين أو أكثر.
والغريب ان القبيلة عادت لتحكم المدينة عدن ، وفي رأي ابن خلدون فان القبيلة تغير على سكان المدن المكون من التجار وأصحاب المهن وتنهب المدن باعتبار سكانها مستضعفون، لكنها لا تحبذ ان تكون لصيقة بمجتمع المدينة ،، فالقبيلة أداة حربية فقط، ورزق القبيلي في سنان رمحه كما يقول ابن خلدون
بعد فشل ثورة ١٩٤٨ سمح الامام للفبائل بنهب صنعاء مقابل وقوفهم معه وقد تكرر هذا في حرب ١٩٩٤ حين سمح صالح للقبائل أن تنهب عدن ومدن الجنوب باعتبار ذلك غنيمة حرب حين دخل مشائخ الدين وتباروا بالفتاوي حول "نهب المدينة وسكانها المستضعفين، وجواز قتلهم تلك النظرية القبلية التي تم تلبيسها بالطابع الديني. لقد شبه دخول القوات الى عدن بفتح مكة ، حيث كان الصوت القادم " أذهبوا فأنتم الطلقاء" ولكن سيدنا عثمان لم يسمح بنهب مكة، بل أعطى المقاتلين غنائم من ماله الخاص.
اليوم يتداعى الناس يريدون دولة في عدن تحمى المواطن الذي في عرف القبيلي مستضعف ويجوز نهبه وقتله أو أضطهاده ومصادرة ممتلكاته
كيف يمكن للقاتل والناهب ان يحمي المواطن ،، لا يمكن ان تؤسس القبيلة وتحالفاتها دولة ،، تستميت القبيلة في المحافظة على منظومة قيمها وأعرافها وتقاليدها ،، في حين الزمن الحديث لم يعد يؤمن بهذه القيم ،، وفي سياق علاقة القبيلي واقتحامه للمجال السياسي يفرض التطور أن يبتعد القبيلي عن أعرافه وقيمه التي كانت تصنف ايجابية مثل الشهامة والكرم ، ويلتصق أكثر بقيم النهب والسلب والقتل حتى من اجل تمرة. تلك هي القيم التي تحرك سلوكه في ظل تنامي الاستهلاك المادي وفوضى المظاهر في العصر الحديث.
أبناء عدن بمختلف كياناتهم الاجتماعية يطالبون بادارة ذاتية لمدينتهم من قبل ابناءها ،، بعد ان تمادى المسلحون القبائليون في القتل والقهر والنهب والفوضى تحت علم الجنوب . هذا هو السبيل الى عودة الدولة والنظام الى المدينة لكن هذه الرغبة في مكان والقوة والنفوذ في مكان آخر.
في حرب ١٩٤٨ عندما أطلق الامام يد القبائل لنهب المدينة صنعاء. كان مواطنا من سكان صنعاء القديمة من بقايا الحقبة التركية أستوطن وأصبح جزءا من نسيج المدينة. وعندما جاء القبائل لنهب بيته وكان لديه أثاث فاخر. فكان ينصح القبيلي "" دلا دلا بشويش" حتى لا يتكسر الأثاث أمام عينيه سلوك المدني يختلف عن همجية القبيلي والمسافة بينهما هي مسافة ما بين الأرض والسماء.
أعود الى فوضى القتل التي توالت اثناء عيد الأضحى المبارك ،، وكلها على قضايا تافهة لكنها عنجهية القبيلي ،، تشبه حادثة شيخ قبيلي من ثوار سبتمبر حيث كان اربعة ضباط في سيارة مرت مسرعة بجانب سيارة الشيخ القبلي فطارت حصاة أصابة الشيخ في رأسه، فلاحقهم وقتلهم جميعا ، ولكن القاضي الارياني سجنه ثم هد السجن على راسه.
هل هذا السلوك القبلي متشابه ؟ نعم خصوصا عندما تكون القبيلة قريبة من السلطة بحيث تزيد سلطة الحكم من غرور القبيلي ليفعل ما يشاء ، فالدولة هي دولة القبيلة وهي ملك مشاع كالمراعي القبلية.
إن أحد شروط الدولة هي المواطنة المتساوية ، والقبيلة وان جددت المشيخة بالزعيم السياسي فهي لا يمكن ان تؤسس نظام للعدالة. انها منبت العنصرية فالتمايزات داخل القبيلة لا تسمح بالمساواة وبالتالي العدالة. ان الشيخ أعلى مكانة اجتماعية من القبيلي والقبيلي أعلى مكانة اجتماعية من المهني والعامل. هذا التمايز هو الذي يزيد من غرور القبيلي ليحتقر سكان المدن والقبائل الأضعف
لقد أخطاء التحالف الخليجي حين قرر أن يعيد هندسة البنى الاجتماعية لتغدو قريبة من بناهم الاجتماعية. وتناسوا انهم لديهم ثروات حولت مجتمعاتهم من قطاع طرق وقراصنة الى شعوب مدنية تركت السلاح ودانت بالولاء للدولة. بينما هنا القبيلة جائعة تبحث عن فيد في أي مكان ومع تمدد الغلبة والقوة تصبح المسؤولية سببا في الإثراء كما يقول ابن خلدون "الجاه يولد المال" والجاه هنا هو المنصب الحكومي او العسكري أو حتى المعنوي.
إن طلب حماية المواطن من عنف القبيلة الطاغية أمر يبدو غريبا ، فليس من طبيعة القبيلة ان تنحو منحى الدولة
ان العرف القبلي والقانون يتناقضان ويتواجهان في ساحة المجتمع. حيث ينفذ القانون تخضع القبيلة لأن قوة الدولة قادرة على سحقها، وحيث لا ينفذ القانون تنمو وتزدهر شطحات القبيلة وغرورها وتنفذ قوانينها الخاصة.
لا حظو القبيلة في الشمال وفي الجنوب تلك القبيلة التي لها الغلبة والعصبية ؛ تسطو على ارض الدولة وممتلكاتها باعتبارها مشاع للقبيلة ويتم السطو المسلح على المؤسسات ومصادرة ايراداتها
لم تورد محافظات ايراداتها الى البنك المركزي ، ولأن كل محافظة تملك مليشياتها القبيلية فالدولة هي الحلقة الأضعف في هذا المجال. وفي صدر الخلافة قال سيدنا ابو بكر الصديق " لو منعوني عقال بعير اقاتلهم عليه حتى أسترده" عقال البعير هنا هو حبل يتم به تقبيد الجمل وكان ذلك ردا على منع العمال على بلدان كاليمن ارسال الزكاة الى بيت المال. وكانت حروب الردة هي من أجل توريد الزكاة الى بيت المال " البنك المركزي"
ان كلام إبن خلدون قبل ثمانية قرون عن تحليله للقبيلة والعصبية مازال قائما. فالقبيلة صلبة وعسيرة على التغيير الا عندما تكون الدولة أقوى منها ويستقل أفرادها بأنفسهم معتمدين على الصناعة والاقتصاد الحديث وعندما يستقل القبيلي بذاته عن سلطة الشيخ (الزعيم ) السياسي فانه يتخلى عن سلاحه ويتخلق باخلاق المجتمع الحديث ،،
اقرأ المزيد