حين تتحول التبعية إلى بطولة

فارس العدني 

 

في هذا الزمن المليء بالتشوهات والانقلابات على القيم، تتقدم إلى الواجهة فئة غريبة لا تنتمي لأي مبدأ ولا تحمل ذرة كرامة، لكنها دائمًا حاضرة في المشهد، تتلوّن حسب الحاجة، وتنقلب وفق المصلحة، وتعرض خدماتها بالمجان لكل من يلوّح بشيء من السلطة أو النفوذ. هؤلاء هم أدوات المرحلة، الذين يتحركون بلا إرادة، ويعيشون بلا هوية، ويتحدثون بلا خجل.

 

حين تتاح لأحدهم فرصة للظهور، لا يتردد في بيع كل ما تبقى لديه من كرامة، لا فرق بين الذات والموقف، بين القناعات والمصالح. يهرول مسرعًا نحو التنازل، ويرى في الانبطاح طريقًا مختصرًا للصعود، وكلما ازداد خضوعه شعر بأنه اقترب أكثر من دائرة الضوء. يقدم نفسه على طبق من تبعية، ويطلب فقط أن يُؤخذ بعين الاعتبار كأداة تصلح للاستعمال الفوري.

 

والأدهى من ذلك أنهم لا يشعرون بالخجل مما هم فيه، بل يفاخرون بانتمائهم إلى من يستخدمهم، ويتسابقون في إظهار الولاء، ويتباهون في مجالسهم بعلاقاتهم وخدماتهم وارتباطاتهم، كما لو أن الذل قد أصبح قيمة وطنية يُحتفى بها. تجدهم في كل زاوية، يتكاثرون كالطفيليات في جسد الدولة، ينخرون في بنيتها ويتسلقون على حسابها.

 

وما إن يجتمع اثنان من هذه النوعية، حتى تتبخر الفضيلة ويُكشف المستور، فكل منهم يرى في الآخر مرآة لخيباته، وتتحول الجلسة إلى استعراض للرذائل وتبادل للمصالح المكشوفة. اللقاء ليس حوارًا، بل صفقة غير معلنة على حساب كل قيمة محترمة.

 

هؤلاء لا يملكون قرارهم، ولا يعرفون طريق الرفض، كل ما يُطلب منهم يفعلونه بلا نقاش، وكل ما يُملى عليهم يكررونه كأنهم أبواق مبرمجة. تغلفهم هالة زائفة من التبجّح، بينما حقيقتهم أنصاف أتباع في عالم لا يحترم إلا الأحرار.

 

في لحظات ضعفهم يرضخون لأي شيء، يبررون كل صفعة، ويستسيغون كل إهانة. وفي لحظات قوتهم المؤقتة، ينقلبون على الجميع، يظهرون البطش ويتحدثون بلغة المنتصر، بينما في الواقع هم لا يملكون سوى جلد قابل للتبديل حسب الطلب.

 

هم يعرفون حقيقتهم جيدًا، يدركون أنهم مفضوحون في نظر الجميع، وأنهم لم يُحترموا يومًا، ولن يُحسب لهم موقفٌ مهما علت أصواتهم. ومع ذلك، يصرّون على الاستمرار في لعب الدور نفسه، لأنهم لا يعرفون سواه، ولأنهم لا يستطيعون البقاء خارج مشهد لا يقبل إلا الأدوات.