يُعرف الاستبداد بأنه تصرُّف فرد أو جماعة في حقوق الآخرين وفق هواهم دون خشية عقاب، وهو البيئة الخصبة لنمو الفساد المنظَّم.
عندما تُمارس السلطة بلا رقابة، تُفتح الأبواب أمام القرارات الانتهازية، واستغلال الموارد العامة، وتتآكل ثقة المجتمع.
ينمو الاستبداد حيث تُركَّز السلطة دون ضوابط. فالحكومات أو القادة الذين يعملون بمعزل عن المحاسبة—دون خوف من رقابة أو عقاب—يميلون طبيعياً نحو الممارسات الفاسدة. تُحوَّل الموارد لخدمة المصالح الشخصية، وتُسخَّر المؤسسات العامة لقمع المعارضة، وتُصاغ السياسات لخدمة النخبة الحاكمة بدلاً من الشعب..بهذا السياق، يصبح الفساد ليس مجرد عرض، بل نتيجة حتمية لسلطة مطلقة.
يثبت التاريخ أن انعدام المحاسبة يؤدي إلى انهيار الأخلاقيات الحكومية، واستشراء التعفن المؤسسي. لمواجهة الاستبداد، لا بد من إعادة هيكلة العلاقة بين السلطات. يجب أن يخضع المنفذون—المكلفون بتطبيق السياسات—للمساءلة أمام المشرّعين، الذين يمثلون إرادة الشعب.
هذه "المساءلة الرأسية" تضمن ممارسة السلطة لخدمة المصلحة العامة، لا وفق الأهواء، فالمشرّعون، كنواب عن المواطنين، هم الجسر بين الدولة والمجتمع؛ ودورهم في مراقبة أداء السلطة التنفيذية حاسم لمنع الانحرافات.
بدون هذا الربط، يعمل المنفذون في فراغ، قادرين على تزييف القوانين، وتجنب الرقابة، وفرض أجندات شخصية أو فئوية. ومن خلال إلزامهم بالشفافية—عبر تقارير علنية، ومراجعات محاسبية، وجلسات استماع تشريعية—تترسخ ثقافة المساءلة. مثل هذه الأنظمة لا تردع القرارات التعسفية فحسب، بل تؤكد أن لا أحد فوق القانون.
ختاماً، الاستبداد والفساد وجهان لآفة واحدة تُضعف الأمم، وكسر هذه الحلقة يتطلب أكثر من إصلاحات شكلية؛ بل إدماج ثقافة المساءلة في نسيج الحوكمة، وذلك بربط المنفذين بالمشرّعين، وتعزيز الهيئات الرقابية، وتمكين المجتمع يمكن مقاومة الحكم التعسفي.
طريق الحوكمة الأخلاقية لا يعتمد على الأماني، بل على أنظمة تضمن أن تكون السلطة خادمة للشعب، لا أداةً للطغاة. فقط بذلك، يُقطع الداء الاستبدادي من جذوره.