الدكتور/ عبدالقادر المحوري
المشهد السياسي في اليمن والمنطقة اليوم يمر بتحولات كبرى، خصوصًا مع الحملة الأمريكية ضد الحوثيين، والتي تأتي في إطار استعادة الاستقرار في البحر الأحمر ووقف تهديدات الملاحة الدولية. هذه الضربات، رغم محدوديتها حتى الآن، تعكس تحوّلًا في التعامل الدولي مع الحوثيين، بعد أن كانت القوى الكبرى تعتمد سابقًا على الضغوط الدبلوماسية والعقوبات فقط.
السيناريوهات المتوقعة لنهاية هذا المشهد
1. استمرار الضربات وتصاعدها: إذا استمرت الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، فمن المتوقع أن تتحول الضربات الأمريكية إلى حملة عسكرية أكثر اتساعًا، مما قد يضعف قدرات الحوثيين تدريجيًا، لكنه لن يؤدي بالضرورة إلى هزيمتهم الكاملة ما لم يكن هناك تحرك عسكري أوسع يشمل القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي.
2. تفاوض بضغط دولي: مع استمرار القصف وضغوط الأمم المتحدة، قد تجد جماعة الحوثي نفسها مضطرة للدخول في مفاوضات جدية، خصوصًا إذا تزايدت خسائرها العسكرية والاقتصادية. لكن هذا يتطلب ضمانات حقيقية لالتزام الحوثيين بأي اتفاق جديد، وهو أمر غير مضمون بناءً على تجارب سابقة.
3. تكريس الوضع الراهن (حرب استنزاف): قد تستمر المواجهات دون حسم، بحيث تبقى الضربات الأمريكية محدودة ولا تؤثر بشكل جذري على توازن القوى في اليمن، مما يعني استمرار حالة اللاسلم واللاحرب لفترة أطول، وهو السيناريو الذي قد يخدم أطرافًا دولية ترغب في إبقاء الحوثيين تحت الضغط دون الإطاحة بهم تمامًا.
مستقبل الجنوب في ضوء المتغيرات الراهنة
في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال الأكبر: هل سيشهد الجنوب إعلان دولة مستقلة؟
• فرصة الجنوب في الانفصال اليوم تبدو أكبر من أي وقت مضى، خصوصًا مع تصاعد الاعتراف الدولي بواقع أن اليمن بشكله الموحد لم يعد عمليًا قابلاً للحياة، ومع وجود دعم إقليمي واضح للحراك الجنوبي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
• الموقف الإقليمي والدولي: هناك إشارات إلى أن بعض القوى الدولية قد تكون أكثر تقبلًا لفكرة الجنوب المستقل، خاصة إذا استطاع الجنوبيون تقديم نموذج سياسي وإداري مستقر، يضمن المصالح الدولية في البحر العربي وخليج عدن. ومع ذلك، فإن دعم أي خطوة نحو الانفصال سيعتمد بشكل أساسي على توافق القوى الفاعلة في المشهد اليمني والإقليمي.
• التحديات التي قد تواجه الجنوب: حتى لو تم الإعلان عن دولة جنوبية، فإن التحديات الداخلية قد تكون كبيرة، خصوصًا فيما يتعلق بتوحيد الفصائل الجنوبية المختلفة تحت مظلة حكومة واحدة، وإدارة التوازنات مع الشمال، بالإضافة إلى ضمان اعتراف رسمي دولي.
الخلاصة
في ظل المتغيرات الراهنة، فإن اليمن يقترب من لحظة فارقة. إما أن تؤدي الضغوط الدولية والضربات الأمريكية إلى تحولات سياسية قد تعيد تشكيل المشهد، أو أن يستمر الصراع لفترة طويلة ضمن سيناريو حرب استنزاف. أما الجنوب، ففرصه في إعلان دولة مستقلة تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى، لكن نجاح هذا المشروع سيعتمد على عوامل كثيرة، أبرزها التوافق الداخلي والدعم الإقليمي والدولي.