اليمن والانقلابات المتسلسلة: قراءة في تحولات العقد الأخير

فارس العدني

 

شهدت الجمهورية اليمنية خلال العقد الأخير سلسلة من الانقلابات السياسية والعسكرية التي غيّرت ملامح الدولة، وقلبت موازين القوى، وأدخلت البلاد في حالة من الفوضى والانقسام. الانقلاب الأول بدأ بثورة الشباب في العام 2011، حين انتفضت الجماهير ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، لكن سرعان ما التحق بالأحداث الفاعلون الحزبيون، لا سيما أحزاب اللقاء المشترك، الذين حوّلوا المسار الثوري إلى تسوية سياسية عبر المبادرة الخليجية، وهو ما فُسّر بأنه انقلاب ناعم على روح الثورة وأهدافها.

 

أما الانقلاب الثاني، فقد تمثل في التحالف الذي أقامه علي عبدالله صالح مع جماعة الحوثي، مدفوعًا برغبة انتقامية من خصومه السياسيين، وعلى رأسهم حزب الإصلاح. هذا التحالف أفضى إلى دخول الحوثيين صنعاء في سبتمبر 2014 تحت غطاء اتفاق “السلم والشراكة”، مما منحهم غطاءً سياسياً للسيطرة على مفاصل الدولة.

 

ثم جاء الانقلاب الثالث حين أقدمت جماعة الحوثي على محاصرة منزل الرئيس عبدربه منصور هادي في صنعاء ووضعه قسرًا تحت الإقامة الجبرية، وهو ما شكّل انقلابًا صريحًا على الشرعية الانتقالية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني ومسار الدولة الاتحادية.

 

الانقلاب الرابع والأكثر تعقيدًا وقع بعد خروج الرئيس هادي إلى عدن وتمكنه من كسر الاقامة الجبرية المفروضة عليه وإعلانه العاصمة المؤقتة عدن ، حيث شنّت قوات الحوثي وصالح هجومًا واسعًا على المدينة بهدف إسقاطها وفرض السيطرة الكاملة على الجنوب. هذا التطور اعتُبر انقلابًا بين كيانين سياسيين، وانتهاكًا لوحدة الدولة، مما استدعى تدخلاً إقليميًا عبر التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى جانب تحرك دولي لدعم الشرعية ومواجهة الانقلابيين.

 

إن هذه الانقلابات المتتالية لم تؤدِّ فقط إلى انهيار الدولة، بل ساهمت في تشظي المجتمع، وتعدد السلطات، وانهيار الاقتصاد، ما يجعل الحاجة ملحة إلى مراجعة وطنية شاملة تستند إلى الحقائق وتعيد بناء الدولة على أسس الشراكة والعدالة