فارس العدني
حين قدّم الرئيس عبدربه منصور هادي مشروع اليمن الاتحادي من ستة أقاليم، كان يستشرف مستقبل الدولة ويحاول انتشالها من براثن المركزية والهيمنة. لكن النخب والأحزاب والقيادات التقليدية واجهته بالرفض، كلٌّ بدافع أطماعه وحساباته، وكأنهم يتوهمون أن بمقدورهم ابتلاع الجميع.
اليوم، وبعد سنوات من الدماء والانقسامات، لم يعد خافيًا أن تلك القوى هي من دفعت البلاد إلى هذا المصير. ففي الشمال سلطة مذهبية أعادت إنتاج الإمامة، وفي الجنوب قيادات متناحرة ترفع الشعارات ساعة الانفصال وساعة الوحدة، ليس حبًا في الجنوب ولا حرصًا على اليمن، بل وفق ما يدر عليها من مكاسب وامتيازات.
المفارقة أن معظم هؤلاء الذين حاربوا فكرة اليمن الاتحادي صاروا اليوم يهمسون بوجوبيتها، لكنهم في العلن يلوّحون بشعارات مناطقية وجهوية. إنهم يعرفون أن لا حل إلا بالدولة الاتحادية، لكنهم يصرّون على إدارة الصراع وفق منطق المساومة والابتزاز. يتقاسمون المناصب والثروات، يوزّعون الولاءات، ويغرقون أكثر فأكثر في مستنقع الفساد.
لقد أثبت الزمن أن مشروع هادي لم يكن وهمًا ولا ترفًا سياسيًا، بل حقيقة موضوعية لا مهرب منها. وما ترفعه النخب اليوم من شعارات متناقضة ليس إلا غطاءً لانتهازيتهم ونفعيتهم، فيما يبقى المواطن وحيدًا يواجه الانهيار والفوضى.
إن من خانوا الفكرة بالأمس ويحاولون استثمارها اليوم هم أكبر دليل على أن اليمن لن يخرج من أزماته إلا عبر مشروع اتحادي عادل يقطع دابر الهيمنة ويضع حدًا لمسرحية الفساد المستمرة.