بقلم: فارس محمد
في زمن التحولات العميقة التي تمر بها اليمن، تبرز على السطح تساؤلات جوهرية تتعلق بمصير الجنوب، وبمن يمثل قضيته، وبكيفية إدارة التباينات داخل النسيج الجنوبي، من دون الوقوع في فخ الإقصاء أو التبعية أو المكابرة.
يرى البعض أن الجنوب، بكل ما يحمله من تاريخ وتضحيات، تم اختزاله في مجموعة من القيادات التي لا تمتلك الوزن الحقيقي ولا التجربة التي تخولها حمل المشروع الوطني الجنوبي. قيادات قد تكون محمية بغطاء معين، ولكنها تفتقر للغطاء الشعبي الذي يصنع الفرق في لحظة القرار. وفي مقابل هذا المشهد، نجد أن الحضارم – برويّة وحكمة – تمكنوا من سلوك مسار أكثر توازنًا، أقل ضجيجًا، لكنه أكثر تأثيرًا، فاتحين الطريق أمام مكونات أخرى قد تتبع ذات النهج في قادم الأيام.
هذه المقارنة تكشف واقعًا صعبًا، لكنه قابل للتصحيح. ورأيي الشخصي أن تصحيح هذا الاعوجاج ضرورة وطنية وأخلاقية، شريطة أن يتم ذلك بعيدًا عن المكابرة والمغالبة والمزايدات، لأن كرة الثلج بدأت بالتدحرج، ولا أحد يمكنه أن يتكهن إلى أين ستصل، ولا كيف ستكون النهاية.
من يظن أن السيطرة الحالية ضمانة دائمة، عليه أن يستعيد درس التاريخ القريب. ألم تكن تجربة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ماثلة أمامنا؟ ألم يروض البلاد كلها بقبضته الحديدية؟ ومع ذلك، حين تحركت الصدور العارية في وجهه بشعار “ارحل”، وجد نفسه يتهاوى من عليائه، ويسقط من دون أن تنفعه القوة ولا الأجهزة ولا التحالفات.
لهذا نقولها بصدق: التراجع عن الخطأ، والعودة إلى جادة الصواب، والاستفادة من التجارب السابقة… ليست عيبًا، بل شجاعة. من يعترف بخطئه هو من يحفظ مكانته، ومن يصرّ على العناد والمكابرة هو من يسرّع في زواله، ولو بعد حين.
وختامًا، فإن مسؤولية اللحظة تحتم على الجميع، خاصة من بيدهم القرار، أن ينصتوا لصوت العقل لا لصوت المصلحة، وأن يعيدوا النظر في كثير من المسلمات التي لم تعد كذلك، وأن يدركوا أن احترام الناس أول الطريق نحو البقاء، وأن الإقصاء ليس إلا وصفة للفشل المؤجل