توزيع الأدوار… اللعبة القديمة بوجوه جديدة

فارس العدني

 

يبدو أن حضور العميد يحيى محمد عبدالله صالح مؤتمر القوميين العرب لم يكن خطوة عابرة أو تصرفًا شخصيًا معزولًا. فالرجل، وهو من أكثر الشخصيات اطلاعًا على الأجندات السياسية والإعلامية، كان يعلم جيدًا قائمة المتحدثين ومحاور المؤتمر، ومع ذلك اختار الحضور.

أما القول بأنه فوجئ بكلمة عبدالملك الحوثي، فلو صحّ، لكان الواجب عليه أن يغادر القاعة فورًا ويُصدر توضيحًا علنيًا يحدد موقفه من تلك المشاركة. غير أن الصمت في مثل هذه المواقف لا يقرأ إلا باعتباره تواطؤًا ضمنيًا أو قبولًا سياسيًا.

 

ومع أن البعض حاول — عبثًا — الربط بين هذا الموقف وطارق صالح، فإن هذا الربط لا يقوم على منطق. لكنه يكشف في الوقت ذاته عن ظاهرة أوسع في المشهد الشمالي اليمني: توزيع الأدوار بين الوجوه القديمة نفسها.

ففي الوقت الذي يظهر فيه طارق صالح ممثلًا لما يسمى “الشرعية” في مؤتمر المناخ بالبرازيل، يظهر يحيى صالح في بيروت إلى جانب خطاب عبدالملك الحوثي في مؤتمر القوميين العرب، وكلٌّ منهم يؤدي دوره في إطار هدف واحد ومسار واحد — الإبقاء على المشهد كما هو، مع تبادل المواقع وتبديل الأقنعة.

 

هكذا اعتاد الشماليون أن يديروا صراعاتهم ويحموا مصالحهم؛ بالتناقض في الشكل، والتكامل في المضمون.

ومن هنا، فإن الحديث عن “تحرير صنعاء” لم يعد سوى شعارٍ للاستهلاك الإعلامي، لأن من يتبادلون الأدوار بين صنعاء وبيروت والبرازيل لا يمكن أن يكونوا مشروعًا للتحرير، بل امتدادًا لشبكة نفوذٍ تتقن فن البقاء لا فن التغيير.

 

أما الجنوبيون الذين ما زالوا يربطون مصيرهم بوعود “تحرير صنعاء”، فعليهم أن يدركوا أن تلك الوعود ليست سوى فصل جديد من المسرحية القديمة، وأن من يوزّعون الأدوار اليوم، هم أنفسهم من رسموا مشهد الفشل بالأمس.