اليمن بين مطرقة التجريب وسندان المصير

بقلم: فارس العدني

 

في بلد أنهكته الصراعات وتاهت فيه البوصلة، تبرز إشكالية عميقة تتكرر مع كل منعطف تاريخي: كل منطقة، أو تيار، أو حزب، أو حتى جماعة عقائدية، ترى نفسها الأحق بحكم اليمن، وتتصور أنها صاحبة المشروع الرشيد القادر على إنقاذ البلاد. لكن، ما حدث طوال العقود الماضية، لم يكن سوى إعادة إنتاج للفشل، وتجريب مستمر لنماذج مستوردة ومؤدلجة، لا تمت لواقع اليمن المعقد بصلة.

 

وقد عبّر الرئيس عبدربه منصور هادي ذات يوم عن هذه الحقيقة المرّة بقوله: “جربنا كل النماذج، من الماركسية إلى الناصرية إلى الإسلام السياسي، ولم تنجح، ولن تنجح أيضًا التجربة الإيرانية.” وهذا القول يلخص بدقة مساراً طويلاً من التخبط، كان المواطن فيه هو الضحية الأولى والأخيرة.

 

اليوم، يقف اليمن على مفترق طرق، بين خيارين لا ثالث لهما:

 

الخيار الأول: دولة اتحادية بعدالة واقعية

 

وهو الخيار الأكثر منطقية وملاءمة للواقع اليمني متعدد الأقاليم والهويات. دولة بأقاليم قوية بصلاحيات واسعة، تضمن عدالة توزيع السلطة والثروة، وتحفظ لكل محافظة خصوصيتها، ضمن إطار جامع هو الدولة. تجربة الإمارات العربية المتحدة تقدم نموذجًا ناجحًا يمكن الاستفادة من آلياته، مع إدراك الفوارق الثقافية والاجتماعية. هذا النموذج قد يكون بوابة اليمن إلى السلام المستدام، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والإجماع الوطني.

 

الخيار الثاني: ملك عادل بقبضة حازمة

 

خيار يبدو بعيدًا، لكنه موجود في ذهنية بعض اليمنيين الذين تعبوا من الانفلات والفوضى. ملك قوي، لا ينتمي لأي طائفة أو منطقة، يحكم بعدالة وصرامة، خارج العباءات الدينية أو المناطقية أو السلالية. لكنه خيار محفوف بالعوائق، فاليمن لم يعرف الملكية إلا في سياق السلالة الزيدية، وانتهى الحكم الملكي بثورة 1962. كما أن طبيعة التركيبة الاجتماعية المعقدة، ترفض التمركز حول شخص واحد ما لم يكن مجسدًا لحالة توافقية استثنائية.

 

الواقع أن الخيار الأول هو الأنسب لليمن، لأن فيه ضمانات للتنوع والمشاركة، ويحدّ من نزعات الاستئثار والانفراد، ويفتح أفقاً جديداً لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، لا غالب فيها ولا مغلوب، بل شركاء في الوطن والمصير.

 

إن استمرار الجمود، وتمسك كل طرف بحلمه في حكم اليمن بمفرده، ليس سوى وصفة جديدة للفوضى والدمار… واليمن، بكل تاريخه وعمقه، لم يعد يحتمل مزيدًا من التجريب.