بينما كانت الطائرات الأمريكية تشن غاراتها على مواقع الحوثيين في اليمن، وفي ظل تصاعد التوتر في البحر الأحمر بفعل عمليات الاستهداف المتكررة للملاحة الدولية، استطاع الحوثيون عبر وساطة سلطنة عمان وبعض القنوات الإقليمية أن يفتحوا حوارًا مباشرًا مع الولايات المتحدة. هذا الحوار لم يكن مجرد تفاوض حول التهدئة، بل كان خطوة متقدمة نحو فرض الجماعة كطرف ندّي في المعادلة اليمنية، مقابل سلطة شرعية ضعيفة فاقدة للمبادرة والإرادة. فقد التزم الحوثيون بوقف التصعيد وضرب الملاحة، وفي المقابل أوقفت واشنطن الضربات الجوية عليهم، وهو ما عُدّ مكسبًا سياسياً للجماعة ونقطة تحول في طريقة التعاطي الإقليمي والدولي مع الملف اليمني. في هذه اللحظة الفارقة، كان يفترض بمجلس القيادة الرئاسي، ومجلس الثمانية تحديدًا، أن يتحركوا سريعًا لاستثمار الظرف الإقليمي والدولي لطرح رؤية متماسكة تُعيد الاعتبار للشرعية وتثبت أنها الطرف المعترف به دوليًا، القادر على التنسيق والشراكة مع القوى الفاعلة في مكافحة الإرهاب وحماية الأمن البحري. لكن ما حدث كان صادمًا؛ الشرعية كانت غائبة تمامًا، مكتفية بالصمت والمراقبة من عواصم الفنادق، لا تملك لا مبادرة ولا حضورًا، وكأنها خارج سياق الأحداث. ومجلس القيادة الذي تشكّل أصلاً على وقع تضحيات آلاف الشهداء والجرحى الذين بذلوا أرواحهم دفاعًا عن أرضهم في وجه غزو المليشيات، لم يحرك ساكنًا، ولم يسعَ حتى لأن يكون جزءًا من معادلة الحل أو الضغط أو الحوار. لقد أثبت مجلس الثمانية أنه كيان بلا مشروع، بلا رؤية، تحركه مصالح أعضائه الضيقة، أشبه بقطع شطرنج في يد قوى خارجية، تُحركهم لمصالحها، ولا يتحركون هم إلا نحو غنائمهم. وفي مقابل ذكاء الحوثيين في اقتناص الفرص السياسية والدبلوماسية رغم انتمائهم العقائدي المتشدد، تقف الشرعية اليمنية كنموذج للفشل والارتهان، فاقدة القدرة على التأثير، ومكتفية بلعب دور المتلقي للأحداث. وإذا استمر هذا النهج، فإن المجتمع الدولي، بحكم الأمر الواقع، سيتعامل مستقبلاً مع صنعاء كمركز للقرار السياسي، فيما تُرك اليمنيون لمصيرهم وحدهم، وقد خذلتهم شرعية أُقيمت على أكتاف تضحياتهم، لكنها عجزت حتى عن أن ترفع صوتها في لحظة مفصلية من تاريخ البلاد.
شرعية غائبة وحوار حوثي مع واشنطن
الأكثر زيارة