فارس العدني
في لحظة من أكثر لحظات اليمن مصيرية، عندما اجتاحت ميليشيا الحوثي العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، لم تكن الدولة وحدها من سقط، بل سقطت معها مقاييس الولاء والانتماء والكرامة في مناطق كانت تدّعي القرب من مركز القرار لعقود طويلة.
منذ اللحظة الأولى لتولي الرئيس عبدربه منصور هادي مقاليد الحكم، بدا واضحًا أن هناك من لم يكن مستعدًا لقبول انتقال السلطة خارج “دائرة الامتيازات” القديمة. لم يشعروا أن الدولة باتت تمثلهم، بل نظروا إليها كجسم غريب، لا يخصهم، ولا يجب أن يُمنح فرصة النجاح. ومن هنا بدأ التآكل الداخلي، والتحالف غير المعلن مع المشروع الحوثي، أو على الأقل الحياد الخبيث تجاه تمدده.
وحين بدأت الدولة تتآكل، انقسم المحيط القبلي والسياسي لصنعاء إلى نصفين: نصف تواطأ وتحالف علنًا مع الحوثيين، ونصف آخر مارس الخذلان وادّعى الحياد، بل قالها صراحة: “تروح للحوثي ولا تروح لمنزل!”، وكأن الوطن ورقة في صراع شخصي، لا قضية سيادة ووجود.
وما هو أغرب من هذا الموقف، تلك التبريرات التي وُصفت بـ”السمجة” وقتها، والتي ما زال البعض يرددها حتى اليوم. من نوع: “ليش ما دافعوا عن صنعاء؟ الدولة كانت مع منزل، وهي فلتتها”. وكأن الدفاع عن العاصمة مسؤولية الرئيس وحده، لا واجب وطني على كل مواطن حر.
لكن، حين توجه الحوثي جنوبًا وغربًا، تغيّرت المعادلة.
في تعز، خرج الناس بأسلحتهم الشخصية.
في البيضاء، تشكلت المقاومة من أبناء القبائل دون توجيه مركزي.
في مأرب، وقفت الجبهة صامدة لأعوام دون أن تنهار.
في تهامة، قاوم الفقراء بما يملكون.
وفي الجنوب، نهضت الجموع لصد الغزو.
وحدها صنعاء ومحيطها القبلي كانت المنطقة التي لم يظهر فيها حتى “نفر واحد” كمقاومة شعبية في وجه الحوثي. لم يُسجل التاريخ طلقة واحدة من حارة، أو قبيلة، أو شارع، تقول “لا”. بل قالوا: “لسنا مجانين، لن نخرب منطقتنا بالحرب”.
لكن، أليست الحرب التي سكتّم عنها هي التي دمّرت الجميع لاحقًا؟
أليس صمتكم هو من أطلق الرصاصة الأولى على الجمهورية؟
ألم يكن حريًا بكم أن تصونوا صنعاء بدل أن تسلّموها من الداخل؟
حتى علي عبدالله صالح، الذي بنى سلطته ومجده على هذه البيئة، لم يجدها في اللحظة التي ناداها. حين دعا إلى النفير ضد الحوثي، خذلوه. تركوه يُقتل، ووقفوا يتفرجون، وكأنهم يتخلصون من عبء التاريخ.
المأساة ليست في أن الحوثيين دخلوا صنعاء، بل في أن أبناءها لم يحاولوا منعهم.
المأساة في من اعتاد الهُتاف والهنجمة والدجل، وحين جاء وقت الفعل، اختار أن يتوارى خلف الجُدر أو يساوم في السر.
هذه هي الحقيقة التي لا يحب البعض سماعها، ولا يملّون من محاولات التزوير لتغطيتها. لكننا جميعًا عشناها، وندرك تفاصيلها. ولعل أول خطوات التعافي الوطني تبدأ من الاعتراف الشجاع بأن الدولة لم تسقط من السماء، بل أُسقِطت من الداخل، حين قرر من يفترض أنهم “أهلها” أن يتخلّوا عنها.
- صحفيو رئاسة الوزراء يوجهون مناشدة عاجلة لرئيس الحكومة.. تفاصيل مؤلمة
- أغلى تغريدة في العالم لوزير مذبحة الصحفيين والإعلاميين "الإرياني"
- اللواء رداد الهاشمي يعقد لقاءً موسعًا مع قادة الألوية والكتائب في محوري البقع وكتاف لتعزيز التنسيق ورفع الجاهزية
- السياسي والكاتب المعروف فاروق ناصر علي يواجه محاولة جديدة لمصادرة حقه في سطح عمارة و استمرار الانتهاكات رغم الأحكام القضائية السابقة والتوجيهات الرسمية الجديدة